SEMUA UNTUK SLAM

AHLAN WA SAHLAN

PERJUANGAN GARIS DEPAN WALAU KAU BUNUH JIWAKU TAK AKAN LARI AQIDAH DARIKU

Minggu, 22 Mei 2011

أَحْكَامُ الْجِهَادِ وَفَضَائِلُهُ

أَحْكَامُ الْجِهَادِ وَفَضَائِلُهُ          
تَأْلِيْفٌ
الْإمَامُ الْفَقِيْهُ الْمُحَدِّثُ عِزُّالدِّيْنِ عَبْدُ الْعَزِيْزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ السُّلَمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( الْمُتَوَفَّى : 660ه )
     
حَقَّقَهُ وَ قَدَّمَ لَهُ وَعَلَّقَ عَلَيْهِ
       
الدُّكْتُوْر نَزِيْه كَمَال حَمَّاد
         
الناشر:
مكتبة دارالوفاء للنشر والتوزيع. جدة
        
الطبعة الأولى 1406-1986م
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ          
وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمًا
 
قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيْهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ، الصَّدْرُ الْكَامِلُ،جَامِعُ أَشْتَاتِ الْفَضَائِلِ،،قَامْعُ الْبِدْعَةِ،نَاصْرُ الْحَقِّ،عِزُّ الدِّيْنِ أَبُوْ مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيْزِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ السُّلَمِيُّ الشَّافِعِيُّ، أَدَامَ اللهَ سَعَادَتَهُ،وَمَتَّعَنَا بِطُوْلِ حَيَاتِهِ:
 

أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللهِ الَّذِيْ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ ، وَعَلَتْ كَلِمَتُهُ ، وَعَمَّتْ رَحْمَتُهُ ، وَسَبَغَتْ نِعْمَتُهُ ،فَإِنَّ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ بَعْدَ الْإِيْمَانِ بِاللهِ: الْجِهَادُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ ؛ لِمَا فِيْهِ مِنْ مَحْقِ أَعْدَاءِ اللهِ وَتَطْهِيْرِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ ، وَاسْتِنْقَاذِ أَسْرَى الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ أَيْدِيْهِمْ ، وَصَوْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِيْنَ وَأَمْوَالِهِمْ وَحُرَمِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ ، وَارْتِفَاقِ الْمُسْلِمِيْنَ بِمَا مَنَحَهُ اللهُ مِنْ أَرَاضِي الْكُفَّارِ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِرْقَاقِ حُرَمِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ .
        
وَلِذَلِكَ عَظَّمَ اللهَ فِيْهِ أَجْرَ الطَّالِبِ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ وَالْمَطْلُوْبِ ، وَالْغَالِبِ وَالْمَغْلُوْبِ ، وَالْقَاتِلِ وَالْمَقْتُوْلِ ، وَأَحْيَا الْقَتْلَى فِيْهِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ ، وَعَوَّضَهُمْ عَنْ حَيَاتِهِمُ الَّتِيْ بَذَلُوْهَا لِأَجْلِهِ بِحَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ سَرْمَدِيَّةٍ لَا يَصِفُهَا الْوَاصِفُوْنَ وَلَا يَعْرِفُهُا الْعَارِفُوْنَ .
    
وَكَذَلِكَ لَمَّا فَارَقُوا الْأَهْلَ وَالْأَوْطَانَ أَسْكَنَهُمْ فِيْ جِوَارِهِ ، وَآنَسَهُمْ بِقُرْبِهِ بَدَلاً مِنْ أُنْسِ مَنْ فَارَقُوْهُ مِنْ أَحِبَّائِهِمْ لِأَجْلِهِ! فَطُوْبَى لِمَنْ حَصَلَ عَلَى هَذَا الْأَجْرِ الْجَزِيْلِ فِيْ جِوَارِ الرَّبِّ الْجَلِيْلِ.
   
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ قَاتَلَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الَّذِيْنَ كَفَرُوا السُّفْلَى.
    
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ:" الْجِهَادُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ " الْجَُهْدِ " وَهُوَ: الْمَُبَالَغَةُ وَاسْتِفْرَاغُ الْوُسْعِ فِي الشَّيْءِ.
وَفِي الشَّرْعِ: هُوَ الْقِتَالُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى بِمَا يُحَقِّقُ الْمَقْصُوْدَ مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ وَكَلَامٍ "اهـ

فَصْلٌ فِيْ فَرْضِ الْجِهَادِ(1) بِالْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ          
قَالَ اللهُ :{وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ[التوبة :41}

وَقَالَ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة : 216}(1)
  
وَقَالَ : { جَاهِدُوا الْمُشْرِكِيْنَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ } ( 2 ) [ أَحْمَد ، أبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ ] ، أَيْ أَغْلِِظُوْا لَهُمُ الْكَلَامَ .
     
يَشْرُفُ الْبَذْلُ بِشَرَفِ الْمَبْذُوْلِ ، وَأَفْضَلُ مَا بَذَلَهُ الْإِنْسَانُ نَفْسُهُ وَمَالُهُ .
        
وَلَمَّا كَانَتِ الْأَنفُسُ وَالْأَمْوَالُ مَبْذُوْلَةً فِي الْجِهَادِ جَعَلَ اللهُ مَنْ بَذَلَ نَفْسَهُ فِيْ أَعْلَى رُتَبِ الطَّائِعِيْنَ وَأَشْرَفِهَا ؛ لِشَرَفِ مَا بَذَلَهُ مَعَ مَحْوِ الْكُفْرِ وَمَحْقِ أَهْلِهِ ، وَإِعْزَازِ الدِّيْنِ وَصَوْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِيْنَ .
     
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " لَمَّا كَانَتِ النُّفُوْسُ مَجْبُوْلَةً عَلَى طَلَبِ السَّعَادَةِ الَّتِيْ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْحَيَاةِ وَالسَّلَامَةِ رَغْبَةً بِمَا أَبْصَرَتْهُ فِيْ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا الآخِرَةَ ، لِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُكْرَهُ الْقِتَالُ لِظَنِّها أَنَّهُ حَائِلٌ دُوْنِ سَعَادَتِهَا بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْجُرْحِ ، فَنبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى فِيْ هَذِهِ الْآَيَةِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ ، وَذَكَّرَ الْعِبَادَ بِعِلْمِهِ وَجَهْلِهِمْ لِيُسْلِمُوْا لِأَمْرِِهِ الَّذِيْ َفِيْهِ سَعَادَتُهُمْ بِاعْتِبَارِ مَا آمَنُوْا بِهِ مِنْ وَصْفِهِ جَلَّ جَلَالُهُ " اه
        
( 2 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ :
           
" أَمَّا " الْجِهَادُ بِالنَّفْس " فَهُوَ مُوَاجَهَةُ الْأَعْدَاءِ وَالرِّبَاطُ لَهُمْ فِيْ مَيَادِيْنِ الْقِتَالِ وَمَظَانِّهَا ،
  
وَأَمَّا " الْجِهَادُ باِلَمَالِ " فَهُوَ تَمْوِيْلُ وَسَائِلِ الْجِهَادِ ( كَتَمْوِيْلِ الْمُقَاتِلِيْنَ بِالْعُدَّةِ وَالْعُتَادِ ، وَخَلْفُهُمْ فِيْ أَهْلِهِمْ ) ،
   
وَأَمَّا"الْجِهَادُبِاللِّسَانِ"فَهُوَالْمُخَاطَبَةُ بِمَا فِيْهِ مَصْلَحَةُ الْجِهَادِ كَالْإِعْلَامِ " اه
فَصْلٌ فِي التَّحْرِيْضِ عَلَى الْجِهَادِ 
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ[النساء:84}
وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ[الأنفال:65}.
         
مَنْ قَاتَلَ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَحَثَّ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ بَاشَرَ الْجِهَادَ بِنَفْسِهِ وَتَسَبَّبَ إِلَى تَحْصِيْلِهِ بِحَثِّهِ ، فَحَازَ أَشْرَفَ التَّسَبُّبِ وَالْمُبَاشَرَةِ ، وَكَانَ حَثُّهُ عَلَى ذَلِكَ أَمْراً بِالْمَعْرُوْفِ الَّذِيْ هُوَ تِلْوَ الْإِيْمَانِ .
           
وَإِذَا كَانَ هَذَا لمَِنْ تَسَبَّبَ بِقَوْلِهِ ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ تَسَبَّبِ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فَجَنَّدَ الْأَجْنَادَ وَبَاشَرَ الْجِهَادَ؟.
  
فَصْلٌ فِيْ فَضْلِ الْجِهَادِ           
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً[النساء :74}
   
وَقَالَ تَعَالَى: {وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً(95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء : 95-96}.
    
وَرَوَى أبُوْ سَعِيْدٍ عَن رَّسُوْلِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِيْناً وَبِمُحَمَّدٍ رَّسُوْلاً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ} فَعَجِبَ لَهَا أبُوْ سَعِيْدٍ فَقَالَ:أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ. فَأَعَادَهَا ِعَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :{وَأُخْرَى يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا الْعَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ ، مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ }
قَالَ : وَمَا هِيَ يَا رَسُوْلَ اللَّهِ ؟قَالَ :{الْجِهَادُ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ، الْجِهَادُ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ، الْجِهَادُ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ } [ مُسْلِم ] ،     
وَقَالَ:{ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ ماِئَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُجَاهِدِيْنَ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالِأَرْضِ } [ البخاريّّ ] ،
        
وَقَالَ:{ مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِيْ سَبِيْلِ اللَّه ِتَعَالَى }
          
[ مُتَّفَق ِعَلَيْه ]
وَسُئِلَ :أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ:{ إِيْمَانٌ بِاللّهِ وَرَسُوْلِهِ } ، قِيْلَ: ثُمَّ مَاذَا ؟قَالَ :{جِهَادٌ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ } قِيْلَ : ثُمَّ مَاذَا ؟قَالَ:{ حَجٌّ مَبْرُوْرٌ }     
[ مُتَّفَقٌ ِعَلَيْهِ ] .
     
إِنَّمَا فَضَّلَ اللَّهُ الْجِهَادَ وَجَعَلَهُ تِلْوَ الْإِيْمَانِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَصَالِحِهِ الْعَاجِلَةِ وَمَنَافِعِهِ الْآجِلَةِ .
فَضْلُ الْخُرُوْجِ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ     
ِقَالَ صَلََّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَََّمَ:{ تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ( لَا يُخْرِجُهُ إلَّا جِهَادٌ فِيْ سَبِيْلِيْ وَإِيْمَانٌ بِيْ وَتَصْدِيْقٌ بِرُسُلِيْ ) أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِيْ خَرَجَ مِنْهُ نَائِلاً مَّا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيْمَةٍ } [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ] ،
     
وَحَكَى عَنْ رَّبِّهِ أَنَّهُ قَالَ:{ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِيْ خَرَجَ مُجَاهِداً فِيْ سَبِيْلِيْ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِيْ ضَمِنْتُ لَهُ إِنْ رَجَعْتُهُ أُرْجِعُهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيْمَةٍ ،وَإِنْ قَبَضْتُهُ غَفَرْتُ لَهُ وَرَحِمْتُهُ }
          
[ أَحْمَد ، النَّسَائِي وَالتِّرْمَذِيُّ ] .
إِنَّمَا ضَمِنَ اللَّهُ الرَّجْعَةَ وَالرِّضْوَانَ وَالْغُفْرَانَ لِمَنْ جَاهَدَ فِيْ سَبِيْلِهِ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِهِ وَنُصْرَةً لِدِيْنِهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأََعْمَالِ إلَّا مَا أُرِيْدَ بِهِ وَجْهُهُ .
فَضْلُ النَّفَقَةِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ        
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ[البقرة:261}
وَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ ! أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ :{ مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ، ثُمَّ رَجُلٌ فِيْ شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللَّهَ }[ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ] .
           
إِنَّمَا شَرُفَتِ النَّفَقَةُ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ لِأَنَّهَا وَسِيْلَةٌ إِلَى أَفْضَلِ الْأََعْمَالِ بَعْدَ الْإِيْمَانِ ، وَإِذَا كَانَتْ حَسَنَةُ الوَسِيْلَةِ بِسَبْعِ مِائَةٍ فَمَا الظَّنُّ بِحَسَنَةِ الْجِهَادِ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ؟
فَصْلٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِاللهِ اسْتِنْصَاراً لَهُ         
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال : 9}
      
وَرُوِيَ عَن رَّسُوْلِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ :{اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِيْ مَا وَعَدْتَنِيْ }
          
[ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ] .
فَصْلٌ فِيْ مَنْ رَأَى عَدُوًّا فَخَافَهُ   
كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ إذَا رَأَى قَوْماً فَخَافَهُمْ ( 1 ) قَالَ :{ اللَّهُمَّ إِنَِّيْ أَعُوْذُ بِكَ مِنْ شُرُوْرِهِمْ وَأَدْرَأُ بِكَ فِيْ نُحُوْرِهِمْ } [ أَحْمَدُ ، أبُوْ دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ ] .
          
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " هَذَا كَلَامُ الرَّاوِيْ ، وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ : إذَا رَأَى قَوْماً شَرِيْرِيْنَ وَ نَحْوِ ذَلِكَ ؛ مُوَافَقَةً لِِلْكَمَالِ الْمُحَمَّدِيِّ الشَّرِيْفِ . وَيَنْبَغِيْ أَنْ يُقَالَ : مَنْ رَأَى عَدُوًّا شَرِيْرًا " اه
فَصْلٌ فِيْ ذِكْرِ اللهِ فِي الْقِتَالِ     
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال : 45}(1) .
           
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" وَفِيْ هَذَا الْأَمْرِ فَضْلًا عَمَّا فِيْ نَفْسِ الذِّكْرِ مِنَ الْبَرَكَةِ وَالْعَوْنِ: عَدَمُ الْغَفْلَةِ عَنِ اللهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ الصَّمَدُ الَّذِيْ لَا يَتَحَقَّقُ شَيْءٌ إِلَّا بِأَمْرِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى[الْأَنْفَالُ:17 }. "اهـ
/فَصْلٌ فِيْ بَيْعِ الْمُجَاهِدِ نَفْسَهُ وَ مَالَهُ        
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 111} (1).
     
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" وَهَذَا الْبَيْعُ حَاصِلٌ لَا يَمْلِكُ الْمُؤْمِنُ َفِيْهِ خِيَارًا، وَهُوَ يَعْنِيْ أَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى غَيْرِ تَلْبِيَةِ النِّدَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ الصَّحِيْحِ شَرْعًا وَإِلَّا كَانَ مُتَخَلِّفًا عَنِ اللهِ تَعَالَى، مُخِلًّا بِالْأَمَانَةِ نَعُوْذُ بِاللهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ _ "اهـ
فِي الْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ اللهِ   
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [الفتح : 10} (1).
      
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ:" وَالْبَيْعَةُ لِسَيِّدِنَا رَسُوْلِ اللهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصِلَةٌ بِالْإِسْلَامِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ فِيْ كًُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ "اهـ .
فِي الْبَيْعَةِ الْمُوْجِبَةِ لِرَضَى اللهِ     
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18}(1).
           
اخْتُلِفَ فِيْ هَذِهِ الْبَيْعَةِ:
          
فَقِيْلَ:" بَايَعُوْهُ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَفِرُّوْنَ "
         
وَقِيْلَ:"بَايَعُوْهُ عَلَى الْمَوْتِ ".
      
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ:" يَعْنِيْ: وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ عَلَى هَذِهِ الْبَيْعَةِ فِيْ كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ "اهـ
فَصْلٌ فِيْ فَضْلِ الْغُبَارِ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ         
قَالَ :{ لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ حَتَّى يَعُوْدَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ ( 1 ) ، وَلَا يَجْتَمِعُ عَلَى عَبْدٍ غُبَارٌ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ }[أَحْمَدُ،النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمَذِيُّ ]
 
وَقَالَ :{مَا اغْبَرَّتْ قَدَمَا عَبْدٍ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ } [ الْبُخَارِيُّ ] .
      
إَذَا كَانَتْ مَشَقَّة ُالْغُبَارِ عَاصِمَةً مِنْ عَذَابِ النَّارِ ، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ بَذَلَ مَالَهُ وَغَرَّرَ بِنَفْسِهِ فِيْ قِتَالِ الْكُفَّارِ ؟
         
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " وَخَيْرُ الْبُكَاءِ فِي الْمُقَامِ : الْبُكَاءُ عَلَى الْعِجْزِ عَنِ الِالْتِحَاقِ فِيْ صُفُوِفِ الْمُجَاهِدِيْنَ ، وَابْتِغَاءِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلُطْفِهِ وَتَأْيِيْدِهِ لِلْمُجَاهِدِيْنَ " اه
فَضْلُ الْحِرَاسَةِ فِيْ سَبِيْلِِ اللَّهِ  
قَالَ : { طُوْبَى لِعَبْدٍ آخذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ ( 1 ) } [ البخاريُّ ] .
  
الْحِرَاسَةُ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ضَرْبٌ مِنَ الْجِهَادِ ، ثَوَابُهَا عَلَى قَدْرِ نَفْعِهَا وَجَدْوَاهَا وَطُوْلِهَا وَقَصْرِهَا ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي الْحِرَاسَةِ مِنْ نَفْعِ الْمُسْلِمِيْنَ
       
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " فِيْ ذِكْرِ الْاسْتِئْذَانِ وَالشَّفَاعَةِ هُنَا إِشَارَةٌ إِلَى الَّذِيْن يُبَادِرُوْنَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ أَنفُسِهِمْ لِرُؤْيَتِهِمْ خَطَرًا مُحَدَّقًا بِالْمُسْلِمِيْنَ " اه
فَضْلُ الرَّمْيِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ        
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ[الأنفال:60}.
 
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ }[ مُسْلِمٌ ]
      
__________
وَقَالَ : { مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِيْ سَبِيْلِ اللَّه ِتَعَالَى بَلَغَ الْعَدُوَّ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ } ( 1 ) [ النَّسَائِي ، التِّرْمَذِيُّ وَابْنُ مَاجَه ] .     
وَ ِإِنّمَا شَرُفَ الرَّمْيُ لِعُمُوْمِ مَنْفَعِتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَاتِلُ بِهِ الْقَاصِيْ وَالدَّانِيْ ، وَمِنَ الْقِلَاعِ وَالْحُصُوْنِ ، وَمِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالْوِهَادِ مَعَ غَلَبَةِ سَلَامَةِ الرُّمَاةِ ، وَلَا يَتَأَتَّى مِثْْلُ ذَلِكَ فِي السَّيْفِ وَالسِّنَانِ ، وَلِذَلِكَ حَثَّ رَسُوْلُ اللَّهِ عَلَى تَعَلُّمِ الرَّمْيِ .
  
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " وَفِيْ هَذَا حَثٌّ عَلَى حِفْظِ الْحَيَاةِ مَا أَمْكَنَ طَلَبًا لِزِيَادَةِ الطَّاعَةِ " اه
فَضْلُ السَّهَرِ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ       
قَالَ رَسُوْلُ اللَّهِ : { حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهَرَتْ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ } [ أَحْمَد وَالْحَاكِمُ ] .
          
مَنْ سَهَرَ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ فَقَدْ تَرَكَ غَرَضَهُ مِنَ النَّوْمِ طَاعَةً لِلَّهِ بِمَا يَتَجَشَّمُهُ مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ ، وَلِذَلِكَ حُرِّمَتْ عَيْنُهُ عَلَى النَّارِ .
فَضْل قَتْلِ الْكَافِرِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ  
قَالَ : { لَا يَجْتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أَبَدًا } [ مُسْلِم ] .
        
ِإِنّمَا لَمْ يَجْمَعِ اللهُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَقَاتِلِهِ فِي النَّارِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَحَا كُفْرَهُ مِنَ الْأَرْضِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ مُغَرَّرًا أَوْ غَيْرَ مُغَرَّرٍ ، فَلَوْ رَمَاهُ مِنْ بُعْدٍ مَعَ أَمْنِهِ مِنْهُ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ فِي النَّارِ ، إلَّا أَنَّ أَجْرَ الْمُغَرَّرِ أَتَمُّ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ .
فَضْلُ الصَّوْم فِي سَبِيْلِ اللَّهِ       
قَالَ : { مَنْ صَامَ يَوْمًا فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفًا } [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ] .
      
ِإِنّمَا يُشْرَعُ الصَّوْمُ فِي الْجِهَادِ فِيْ حَقِّ مَنْ لَا يُؤَثِّرُ الصَّوْمُ فِيْ قُوَاهُ ، وَلَا يُضَعِّفُهُ عَنْ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ ( 1 ) .
      
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " وَلَا يَخْفَى مَا فِيْهِ مِنَ الْحِكْمَةِ فِيْ حِفْظِ الزَّادِ وَالْإِيْثَارِ عِنْدَ الْحِصَارِ وَنَقْصِ الْإِمْدَادِ " اه
فَضْلُ مَشَاقِّ الْغَزْوِ    
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(120)وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [التوبة : 120-121 }(1).
     
جَعَلَ اللَّهُ الْأَجْرَ عَلَى هَذِهِ الْمَشَاقِّ الَّتِيْ تَلْحَقُ الْمُجَاهِدَ فِيْ طَرِيْقِهِ لِأَنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ .
  
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ : { بِعَيْنِيْ ( 2 ) مَا يَتَحَمَّلُ الْمُتَحَمِّلُوْنَ مِنْ أَجْلِيْ } .
           
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " فِي الْآَيَةِ أَمْرٌ بِعَدَمِ الِاسْتِسْلَامِ لِلْعَدُوِّ مَهْمَا كَانَتِ الظُّرُوْفُ الشَّخْصِيَّةُ " اه
  
( 2 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " هَذَا اللَّفْظُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِيْ تَعَلَّقَ بِهَا بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ الجْاَهِلُوْنَ بِاللَّهِ تَعَالَى لِإِثْبَاتِ الْمِثْلِ جُمْلَةً أَوْ تَفْصِيْلًا ! تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيْرًا ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ ( أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ حَقًّا ) فِيْهَا : التَّفْوِيْضُ أَوِ التَّأْوِيْلُ ، وُجُوْبًا فِي الْأَوَّلِ وَنَدْبًا فِي الثَّانِيْ . فَيَكُوْنُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " بِعَيْنَيَّ " : تَعْلِيْقُ الْأَمْرِ بِصِفَةٍ يَعْلَمُهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَذْهَبِ التَّفْوِيْضِ ، أَوْ بِحِفْظِي الْجَزَائِيِّ ( الَّذِيْ أَحْفَظُ بِِهِ لِلْعَبْدِ عَمَلَهُ الصَّالِحَ لِأَجْزِيَهُ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) ؛ كَمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآَيَةِ عَلَى مَذْهَبِ التَّأْوِيْلِ ، وَالْمَذْهَبَيْنِ عَلَى تَنْزِيْهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْعَيْنِ بِالْمَعْنَى الْخِلْقِيِّ ( وَهِيَ الْآلَةُ الَّتِيْ يُرَى بِهَا الْأَشْيَاءُ ) كَمَا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيْعِ مَعَانِي الْحَوَادِثِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى " اه
فِيْ وَصِيَّةِ الْإمَامِ الْغُزَاةَ
كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ إذَا أَمَّرَ أَمِيْرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِيْ خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ خَيْرًا ، ثُمَّ قَالَ : { اغْزُوْا بِاسْمِ اللَّهِ ، فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ، قَاتِلُوْا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ ، وَلَا تَغُلُّوْا وَلَا تَغْدِرُوْا وَلَا تُمَثِّلُوْا وَلَا تَقْتُلُوْا وَلِيْدًا}(1)[مُسْلِمٌ وَ أَحْمَدُ ] .
          
وَصِيَّةُ الْغُزَاةِ نُصْحٌ لَّهُمْ ، وَهِيَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.
  
__________
( 1 ) قَالَ الشَيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " فِيْ هَذَا الْخَبَرِ حَثٌّ عَلَى اسْتِحْضَارِ النِّيَّةِ وَتَثْبِيْتِ الْعَزِيْمَةِ فِي الْقِتَالِ ، وَإِرْشَادٌ لِآدَابِ الْغَزْوِ فِي الْإِسْلَامِ " اه
فَضْلُ تَجْهِيْزِ الْغُزَاةِ   
قَالَ رَسُوْلُ اللَّهِ : { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ فِيْ أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا } [ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ] .

تَجْهِيْزُ الْغُزَاةِ وَخِلَافَتُهُمْ فِيْ أَهْلِهِمْ مُنْدَرِجٌ فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى [ الْمَائِدَة : 2 }
      
وَالْجِهَادُ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ ، وَالْمَعُوْنَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَفْضَلِ الْمَعُوْنَةِ .
فَضْلُ الْإِخْلَاصِ فِي الْجِهَادِ      
سُئِلَ رَسُوْلُ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً ، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً ، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً ، أَيُّ ذَلِكَ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ :{مَنْ قَاتَلَ لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ِفَهُوَ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ }(1)[ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ] .
    
الْفَضَائِلُ الْمَذْكُوْرَةُ فِي الْجِهَادِ خَاصَّةً فِيْ مَنْ جَاهَدَ لِتَكُوْنَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ، وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ " لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ " ( 2 ) ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْأََعْمَالِ إلَّا مَا أُرِيْدَ بِهِ وَجْهُهُ.
           
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " فَيَجِبُ ِبِهَذَا الْإِخْلَاصُ فِي الْجِهَادِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِيْنَ لَيْسَ يَغْزُوْنَ بِنَاءً عَلَى شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ النَّوَايَا ، وَلَا يَقْصِدُوْنَ الِاسْتِوَاءَ عَلَى الْكُفَّارِ وَبِلَادِهِمْ لِأَسْبَابٍ دُنْيَوِيَّةٍ " اه
      
( 2 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " هَذَا فِي الْغَزْوِ ، وَأَمَّا فِي الدَّفْعِ عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا فَفِيْ مُقْتَضَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا ( وَهِيَ الْحُقُوقُ وَالْحُدُوْدُ الَّتِيْ بَيَّنَهَا الشَّرْعُ ) " اه
فَضْلُ الْخُرُوْجِ يَوْمَ الْخَمِيْسِ      
قَلَّ مَا كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ يَخْرُجُ فِيْ سَفَرٍ إذَا خَرَجَ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيْسِ ( 1 ) [ الْبُخَارِيُّ ] .
   
يَنْبَغِيْ لِلْمُجَاهِدِ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيْسِ اقْتِدَاءً بِرَسُوْلِ اللَّهِ فِيْ أَسْفَارِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيْسِ ، فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ أَنَّ فُلَانًا خَرَجَ مُجَاهِدًا فِيْ سَبِيْلِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ .

__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " هَذَا دَلِيْلٌ عَلَى فَضْلِ يَوْمِ الْخَمِيْسِ ، وَجَوَازِ تَخْصِيْصِ الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَتَحَرِّيْهَا فِي الْأَعْمَالِ خَاصَّةً " اه .
فِيْ خُرُوْجِ الْإِمَامِ فِي السَّرَايَا      
قَالَ:{وَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَغْزُوْ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، وَلِكِنْ لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحْمِلُهُمْ، وَلَا يَجِدُوْنَ سَعَةً فَيَتِّبِعُوْنِيْ، وَلَا تَطِيْبُ أَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقْعُدُوْا بَعْدِيْ }[ مُتَّفَقٌ عَلَيِهِ ].
 
هَذَا مِنْ رِفْقِ رَسُوْلِ اللهِ بِأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ تَرَكَ الْخُرُوْجَ فِيْ جَمِيْعِ السَّرَايَا لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَى الضَّعَفَاءِ، وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ لَا يَجِدُ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدَ لَفَعَلَ.
       
فَيَنْبَغِيْ لِمَنْ تَوَلَّى أُمُوْرَ الْمُسْلِمِيْنَ أَنْ يُّعَامِلَهُمْ بِمِثْلِ مَا عَامَلَهُمْ بِهِ سَيِّدُ الْمُرْسَلِيْنَ وَ خَاتَمُ النَّبِيِّيْنَ.
     
__________
فَضْلُ الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، وَالرِّبَاطِ 
قَالَ:{غَدْوَةٌ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، وَرِبَاطُ يَوْمٍ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا }(1)[ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمَذِيُّ ].
       
إِذَا كَانَتِ الْغَدْوَةُ وَالرَّوْحَةُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا، فَمَا الظَّنُّ بِمَنْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، وَالسَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ؟
 
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" فِي الْخَبَرِ حَثٌّ عَلَى مُتَابَعَةِ ضَرْبِ الْعَدُوِّ، وَفَضْلُ الْعَمَلِ بِوَاجِبِ تَرَقُّبِ الْعَدُوِّ لِقَتْلِهِ "اهـ
فَضْلُ الْجِرَاحِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ      
قَالَ:{مَامِنْ مُؤْمِنٍ يُكْلَمُ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ _ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِيْ سَبِيْلِهِ _ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا: اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيْحُ رِيْحُ الْمِسْكِ }(1)[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
           
إِنَّمَا يَجِيْءُ الْجُرْحُ كَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفْضِيْلًا لَهُ عَلَى أَهْلِ الْمَوْقِفِ ، وَنِدَاءً عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ حَتَّى جُرِحَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ.
  
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" فِي الْخَبَرِ فَضْلًا عَنْ بَيَانِ فَضْلِ الْجِرَاحِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى: تَحْذِيْرٌ مِنَ الرِّيَاءِ وَالنِّفَاقِ "اهـ
/فَضْلُ الْغَالِبِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ      
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً[النساء:74}.
  
عَظَّمَ اللهُ أَجْرَ الْغَالِبِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَ اللهِ بِقَتْلِ أَعْدَاءِ اللهِ وَدَفْعِ شَرِّهِمْ عَنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ.
    
__________
فَضْلُ الْمَقْتُوْلِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ      
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ(169)فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ[آل عمران:169-170}
     
قَالَ: {أَرْوَاحُهُمْ فِيْ جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيْلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ }(1)[ مُسْلِمٌ ].
 
لَمَّا بَذَلَ الشُّهَدَاءُ أَنْفُسَهُمْ لِأَجْلِ اللهِ أَبْدَلَهُمُ اللهُ حَيَاةً خَيْرًا مِنْ حَيَاتِهِمُ الَّتِيْ بَذَلُوْهَا، وَجَعَلَهُمْ جِيْرَانَهُ(2) يَبِيْتُوْنَ تَحْتَ عَرْشِهِ، وَيَسْرَحُوْنَ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوْا لَمَّاانْقَطَعَتْ آثارُهُمْ مِنَ السُّرُوْحِ فِي الدُّنْيَا.
    
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :"هَذَا أَعْلَاهَا، وَقَدْ اطَّلَعْنَا عَلَى مَزِيْدٍ، مِنْهُ:
      
عَدَمُ الْأَلَمِ فِي الْمَوْتِ، وَتَظْلِيْلُ الْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ لَهُ، وَتَكْفِيْرُ جَمِيْعِ الذُّنُوْبِ، وَالْأَمْنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَالْفَزَعِ عِنْدَ النَّشْرِ، وَالشَّفَاعَةُ لِبَعْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِيْجَابُ الْجَنَّةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَجْعَلُهُ يِتَمَنَّى الرُّجُوْعَ إِلَى الدُّنْيَا لِيُعَاوِدَ مَا فَعَلَ فَرَحًا بِمَا أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى "اهـ
          
(2) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :"أَلْفَاظُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْمَضَافُةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا التَّشْرِيْفُ بِالنِّسْبَةِ كَمَا يُقَالُ فِي الْمَسْجِدِ: بَيْتُ اللهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْحُدُوْثِ،وَاللهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْهَا { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ[الْحَدِيْدُ:3 } "اهـ
فَصْلٌ فِيْ رِفْقِ الْإِمَامِ بِالْغُزَاة      
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِيْنَ شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ }(1)[ مُسْلِمٌ ].
 
عَلَى مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الْمُسْلِمِيْنَ فِيْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِ أَلَّا يُكَلِّفَهُمْ مَا لَا يُطِيْقُوْنَ ، وَلَا مَا تَشُدُّ مَشَقَّتُهُ عَلَيْهِمْ ، فَلَا يُغْزِيْ قَوْمًا وَيُرِيْحُ آخَرِيْنَ ، بَلْ يُنَاوِبُ بَيْنَهُمْ فِيْ ذَلِكَ فَيُغْزِيْ بَعْضَهُمْ وَيُرِيْحُ بَعْضَهُمْ ثُمَّ يُغْزِي الْمُسْتَرِيْحِيْنَ وَيُرِيْحُ الْغَازِيْنَ ، إِلَّا أَنْ يَحْضُرَ مُهِمٌّ فَيَجْمَعُ لَهُ جَمِيْعَ الْغُزَاةِ.
       
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" فِيْ هَذَا الْخَبَرِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوْبِ الطَّاعَةِ لِلْوَالِيْ وَلَوْ كَانَ ظَالِمًا، وَ فِيْ ذَلِكَ يَقُوْلُ سَيِّدُنَا رَسُوْلُ اللهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ ذَا زُبَيْبَتَيْنِ مَنْفُوْخَ الْخَيْشُوْمِ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ، وَإِنْ ضَرَبَ الظَّهْرَ وَأَخَذَ الْمَالَ }، فَقِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ وَلِيَ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَطْلُبُوْنَ مِنَّا حُقُوْقَهُمْ وَلَا يُعْطُوْنَا حُقُوْقَنَا؟ فَقَالَ: { أَعْطُوْهُمْ حُقُوْقَهُمْ وَاطْلُبُوْا حُقُوْقَكُمْ مِنَ اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ } "اهـ
فَصْلٌ فِي التَّكْبِيْرِ عَلَى الْكُفَّارِ    
لَمَّا أَشْرَفَ رَسُوْلُ اللهِ عَلَى خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجَ أَهْلُهَا قَالَ: { اللهُ أَكْبَرُ ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِيْنَ }(1)[ الْبُخَارِيُّ ].
         
ذِكْرُ كِبْرِيَاءِ اللهِ حَاثٌّ عَلَى تَعْظِيْمِهِ ، وَعَلَى قَتْلِ الْكُفَّارِ الَّذِيْنَ نَسَبُوْهُ إِلَى مَا لَا يَلِيْقُ بِجَلَالِهِ مِنَ الشَّرِيْكِ وَالصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ كَمَا زَعَمَ النَّصَارَى فِي الْمَسِيْحِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
     
__________

(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" فِيْ هَذَا الَخَبَرِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوْبِ إِنْذَارِ الْكُفَّارِ مِنْ عَوَاقِبِ كُفْرِهِمْ قَبْلَ غَزْوِهِمْ "اهـ
فِيْ وَقْتِ الْقِتَالِ       
كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُوْلَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّيْحُ وَيَنْزِلُ النَّصْرُ ( 1 ) [ أبُوْدَاوُدَ ] .
   
الْقِتَالُ أَوَّلَ النَّهَارِ أفَضْلُ ؛ لِبَرْدِهِ ، وَاسْتِجْمَامِ الْقُوَى َفِيْهِ ، وَاتِّسَاعِ النَّهَارِ لِإِكْمَالِ أَغْرَاضِ الْقِتَالِ . فَإِنْ فَاتَ فَبَعْدَ الزَّوَالِ حِيْنَ تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَتَّسِعُ الْوَقْتُ .
       
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللَّهُ : " هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُنَاسَبَةِ ابْتِدَاءً ، وَقَدْ تَغَيَّرَ الْحَالَ فِيْ زَمَانِنَا بَعْدَ مَا حُدِّثَ مِنَ التَّكْنُوْلَوْجِيَا ، وَ يُسْتَحَبُّ الِالْتِزَامُ بِهِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْمُنَاسَبَةِ تَبَرُّكًا " اه
فَصْلٌ فِي الْبِدَايَةِ بِالرَّمْيِ          
قَالَ : { إِذَا أَكْثَبُوْكُمْ فَارْمُوْهُمْ بِالنَّبْلِ وَلَا تَسُلُّوا السُّيُوْفَ حَتَّى يَغْشَوْكُمْ } ( 1 ) [ عَبْدُ الرَزَّاقِ وَأَبُوْدَاوُدَ ] .
      
لَا تُسَلُّ السُّيُوْفُ مَعَ بُعْدِ الْكُفَّارِ ؛ إِْذ لَا فَائِدَةَ فِي سَلِّهَا ، بَلْ يُرْمَوْنَ بِالنَّبْلِ إِلَى أَنْ يَتَدَانَى الْفَرِبْقَانِ فَحِيْنَئِذٍ تُسَلُّ السُّيُوْفُ .
         
__________
( 1 ) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ : " هَذَا مِنْ تََدْبِيْرِ الْحَرْبِ ، وَفِيْهِ حَثٌّ عَلَى التَّصَرُّفِ بِحِكْمَةٍ فِيْ مَيَادِيْنِ الْقِتَالِ " اه
فِيْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ   
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(30)أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل : 30-31}
وَقَالَ:{وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ[آل عمران:20}

وَكَتَبَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ: { أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ }[ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
          
عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ إِحْسَانٌ إِلَيْهِمْ بِالتَّوَسُّلِ إِلَى نَقْلِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيْمَانِ ، وَمِنَ أَسْبَابِ السَّخَطِ إِلَى أَسْبَابِ الرِّضْوَانِ.
فَصْلٌ فِيْ تَخْوِيْفِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَإِرْهَابُهُمْ    
/قَالَ اللهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ سُلَيْمَانَ: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ [النمل : 37}.
           
هَذَا دَأَبُ الْأَنْبِيَاءِ وَفِعْلُ الْعُقَلَاءِ ؛ أَخَذَهُمْ أَوَّلًا بِالتَّلَطُّفِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا غَالَطُوْهُ وَخَدَعُوْهُ بِإِرْسَالِ الْهَدِيَّةِ أَغْلَظَ لَهُمُ الْقَوْلَ فَقَالَ: { فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ [النمل : 37}(1).
           
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" فِيْ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى حُرْمَةِ التَّفَاوُضِ عَلَى الْحَقِّ، لَكِنْ يُدْعَى الْكُفَّارُ أَوِ الْحَرْبِيُّوْنَ إِلَى الْحَقِّ وَيُنْذَرُوْنَ بِعَوَاقِبِ أَمْرِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيْبُوْا دَفَعُوا الْجِزْيَةَ إِنْ كَانُوْا مِنْ أَهْلِهَا وَإِلَّا قُتِلُوْا "اهـ
فِي الِاسْتِعْدَادِ لِقِتَالِهِمْ بِمَا يُرْهِبُهُمِ           
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ[الأنفال :60}(1)
         
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْوَاجِبِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوْجِبِ، فَإِنْ حَدَثَ مُوْجِبٌ كَغَصْبٍ وَمَا فِيْ مَعْنَاهُ لِشَيْءٍ مِنْ حُقُوْقِ الْمُسْلِمِيْنَ وَجَبَ دَفْعُ الْمُعْتَدِيْ بِمَا تَيَسَّرَ؛ وَسِيْرَةُ سَيِّدِنَا رَسُوْلِ اللهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ شَاهِدٍ عَلَى ذَلِكَ "اهـ
وَقَالَ:{ الْخَيْلُ مَعْقُوْدٌ بِنَوَاصِيْهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ }[ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].   
إِذَا عَلِمَ عَدُوُّكَ أَنَّكَ مُتَيَقِّظٌ لَهُ ، مُسْتَعِدٌّ لِقِتَالِهِ خَافَكَ وَانْقَطَعَتْ أَطْمَاعُهُ مِنْكَ.

__________
فَصْلٌ فِي النَّفِيْرِ وَبَذْلِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ     
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ[التوبة:41}(1)
     
وَقَالَ: { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً[التوبة :39}.
          
أَوْلَى مَا بُذِلَتْ فِيْهِ الْأَنْفُسُ وَالْأَمْوَالُ: طَاعَةُ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، وَمِنْ أَفْضَلِ طَاعَاتِهِ: الْجِهَادُ فِيْ سَبِيْلِهِ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ فَضَائِلِهِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ.

__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" هَذَا نَصٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجَيْشِ الْكَامِلِ فِيْ جِهَادِ الْحَرْبِيِّيْنَ، بَلْ يَجِبُ النُّفُوْرُ وَلَوْ فِيْ جَمَاعَةٍ قَلِيْلَةٍ لِمَا فِيْ ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ "اهـ
فَصْلٌ فِي التَّشْدِيْدِ عَلَيْهِمْ وَالْغِلْظَةِ           
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ[الفتح:29}

وَقَالَ: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[التوبة:73}

وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة : 123}.
   
يَنْبَغِيْ أَنْ يَكُوْنَ التَّشْدِيْدُ وَالْغِلْظَةُ عَلَى الْكَفَرَةِ أَبْلَغَ مِنَ الْغِلْظَةِ وَالتَّشْدِيْدِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعُصَاةِ ؛ لِأَنَّ الْغِلْظَةَ عَلَى قَدْرِ الذُّنُوْبِ ، وَأَعْظَمُ الذُّنُوْبِ ذُنُوْبُ الْكُفَّارِ.
فَصْلٌ فِي الْمُشَاوَرَةِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ فِي الْقِتَالِ          
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[آل عمران:159} أَيْ تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَلَا تَتَوَكَّلْ عَلَى الْمُشَاوَرَةِ.
    
مَا عُلِمَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ فَلَا مُشَاوَرَةَ فِيْ فِعْلِهِ، وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ مَفْسَدَةٌ رَاجِحَةٌ فَلَا مُشَاوَرَةَ فِيْ تَرْكِهِ، وَمَا الْتَبَسَ أَمْرُهُ فَفِيْهِ الْمُشَاوَرَةُ؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَجْمَعِ الصَّوَابَ كُلَّهُ لِوَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ شُرِعَتِ الْمُشَاوَرَةُ؛ فَإِنَّ الصَّوَابَ قَدْ يَظْهَرُ لِقَوْمٍ وَقَدْ يَغِيْبُ عَنْ آخَرِيْنَ. وَقَدْ قِيْلَ لِلشَّافِعِيِّ: أَيْنَ الْعِلْمُ كُلُّهُ؟ فَقَالَ:" فِي الْعَالَمِ كُلِّهِ "، يَعْنِيْ: أَنَّ اللهَ فَرَّقَهُ فِيْ عِبَادِهِ وَلَمْ يَجْمَعْهُ فِيْ وَاحِدٍ.
مَعَ مَا فِيْ ذَلِكَ مِنْ تَطْيِيْبِ النُّفُوْسِ وَتَأْلِيْفِ الْقُلُوْبِ ، وَقَدْ قَالَ رَبُّ الْعَالَمِيْنَ لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِيْنَ: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[آل عمران : 159}.      
فَيَنْبَغِيْ لِمَنْ تَوَلَّى أُمُوْرَ الْمُسْلِمِيْنَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِسَيِّدِ الْمُرْسَلِيْنَ فِيْ ذَلِكَ، فَيُشَاوِرُ فِيْ كُلِّ تَصَرُّفٍ مَنْ كَانَ عَارِفًا بِذَلِكَ التَّصَرُّفِ ، وَلَا يُشَاوِرُ فِيْ كُلِّ فَنٍّ إِلَّا أَرْبَابَهُ، مُقَدِّمًا لِأَفَاضِلِهِمْ وَأَمَاثِلِهِمْ عَلَى مَنْ دُوْنَهُمْ.
        
__________
فَصْلٌ فِي الْقِتَالِ لِإِنْقَاذِ الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ     
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ [النساء : 75}.

إِنْقَاذُ أَسْرَى الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ،وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:" إِذَا أَسَرُوْا مُسْلِمًا وَاحِدًا وَجَبَ عَلَيْنَا أَنْ نُوَاظِبَ عَلَى قِتَالِهِمْ حَتَّى نُخَلِّصَهُ أَوْ نُبِيْدَهُمْ "، فَمَا الظَّنُّ إِذَا أَسَرُوْا خَلْقًا كَثِيْرًا مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ؟(1)
           
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :"وَمَا الظَّنُّ إِذَا أَسَرُوْا شَعْبًا كَامِلًا وَاسْتَعْمَرُوْهُ فِيْ أَرْضِهِ؟ يَجِبُ أَنْ تَتَوَالَى عَلَيْهِمُ الضَّرَبَاتُ خَفِيْفَةً وَثَقِيْلَةً مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ الْوَافِدِيْنَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْخَلاصُ. وَ فِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ كَوْنِ الْجِهَادِ يَجِبُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ تَعَالَى وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا، وَأَنَّ جَمِيْعَ ذَلِكَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ عَلَى التَّحْقِيْقِ "اهـ
/فَصْلٌ فِي الثُّبُوْتِ فِي الْقِتَالِ     
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ[الأنفال:45}
     
وَقَالَ: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ[الأنفال:15}(1) وَقَالَ:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ [الصف : 4}.
       
الثُّبُوْتُ فِي الْقِتَالِ سَبَبٌ لِلنَّصْرِ وَالظَّفْرِ ، مُضْعِفٌ لِقُلُوْبِ الْكُفَّارِ قَاطِعٌ لِرَجَائِهِمْ .
          
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" فِيْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ نَصٌّ عَلَى وُجُوْبِ الثَّبَاتِ عِنْدَ قِتَالِ الْكُفَّارِ، وَحُرْمَةِ الْفِرَارِ الَّذِيْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَبِيْرَةٌ مُوْبِقَةٌ لِخَبَرِ: { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوْبِقَاتِ } وَجَاءَ فِيْهِ:{ وَالتَّوَلِّيْ يَوْمَ الزَّحْفِ }.
  
وَ فِيْ حُكْمِ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ: التَّخَلُّفُ عَنِ الْجِهَادِ، فَطَالَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَادِرٌ عَلَى النُّصْرَةِ وَالِالْتِحَاقِ بِصُفُوْفِ الْمُجَاهِدِيْنَ، بَلْ طَالَمَا كَانَ قَادِرًا عَلَى قَتْلِ الْمُعْتَدِيْنَ فَتَخَلَّفَ وَلَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّ إِثْمَهُ جَارٍ عَلَيْهِ لَا يُخَلِّصُهُ اسْتِغْفَارُهُ مَا دَامَ الْحُكْمُ قَائِمًا "اهـ
فَصْلٌ فِيْ بَذْلِ الْجُهْدِ فِي النِّكَايَةِ بِهِمْ       
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ[التوبة:5}(1).
     
__________
(1) قَالَ الشيخ طارق بن محمد السعدي حفظه الله :" هَذِهِ الْآيَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى أُمُوْرِ الْجِهَادِ: الْقِتَالِ وَالرِّبَاطِ وَالْأَسْرِ وَالْحَجْبِ، وَدَلَّتْ عِبَارَتُهُا عَلَى النِّكَايَةِ بِالْمُشْرِكِيْنَ فِيْ ذَلِكَ "اهـ
فَصْلٌ فِيْ كَيْفِيَّةِ الْقِتَالِ
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال : 12}
           
وَقَالَ:{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ[محمد:4}.
         
عَلَّمَ اللهُ عِبَادَهُ كَيْفَ يُقَاتِلُوْنَ أَعْدَاءَهُ ، فَأَمَرَهُمْ بِضَرْبِ الْأَعْنَاقِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِغَائِلِتِهِمْ ، وَبِقَطْعِ كُلِّ بَنَانٍ ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ لَّهُمْ مِنَ الْقِتَالِ.
      
__________
فَصْلٌ فِيْ قَطْعِ أَشْجَارِهِمْ وَتَخْرِيْبِ دِيَارِهِمْ   
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [الحشر : 5}
وَقَالَ: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ[الحشر:2}
      
وَقَطَعَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيْرِ وَحَرَّقَ.
فَصْلٌ فِي التَّجَلُّدِ عَلَى مَا يُصِيْبُنَا فِي الْحَرْبِ 
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ[آل عمران :146}
 
وَقَالَ:{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا[آل عمران:139}.
         
التَّجَلُّدُ عَلَى مَا يُصِيْبُنَا فِيْ طَاعَةِ اللهِ وَجِهَادِ أَعْدَاءِ اللهِ صَلَابَةٌ فِيْ دِيْنِنَا ، وَمُوْهِنٌ لِقُلُوْبِ أَعْدَائِنَا.
       
__________
فَصْلٌ فِي الْجِدِّ فِيْ طَلَبِهِمْ       
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ[النساء : 104}(1).
    
وَقَالَ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران : 172}.
         
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" فِيْ هَذِهِ الْآيَةِ نَهْيٌ عَنِ الضُّعْفِ فِيْ طَلَبِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ كَانُوْا مُعْتَدِيْنَ فَهُوَ أَشَدُّ، وَلَا عُذْرَ لِلْمُسْلِمِيْنَ فِيْ كَثْرَةِ الْعَدُوِّ أَوْ مَا فِيْ مَعْنَاهُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُنُوْطِ الْمُوْهِنَةِ لِلْعَزِيْمَةِ "اهـ
فَصْلٌ فِي اجْتِنَابِ التَّنَازُعِ فِي الْقِتَالِ          
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال : 46}(1).
       
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" فِيْ هَذِهِ الْآيَةِ نَهْيٌ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمُنَازَعَاتِ بَيْنَ فِرَقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَمَذَاهِبِهَا تُجَاهَ الْجِهَادِ، فَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَكُوْنُوْا صَفًّا وَاحِدًا فِيْ قِتَالِ الْأَعْدَاءِ.
        
وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ الَّتِيْ نَصَّتْ عَلَى مَحَبَّةِ اللهِ تَعَالَى لِلَّذِيْنَ يُقَاتِلُوْنَ فِيْ سَبِيْلِهِ صَفًّا وَاحِدًا: أَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْجِهَادِ سَبَبٌ لِلْهِدَايَةِ إِلَى الْحَقِّ وَالصَّلَاحِ فِيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ "اهـ
فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ بِالْمُعُوْنَةِ وَالنَّصْرِ وَالصَّبْرِ    
قَالَ اللهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَصْحَابِ طَالُوْتَ: {وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة : 250}.
         
الدُّعَاءُ بِالْمُعُوْنَةِ وَالنَّصْرِ تَفْوِيْضٌ إِلَى اللهِ ، وَعَمَلٌ بِقَوْلِهِ:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ[آل عمران:159}.
        
__________
فَصْلٌ فِي الْمُصَابَرَةِ وَالرِّبَاطِ       
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ[آلُ عِمْرَانَ:200}
           
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ[البقرة :177}.
     
__________
فَصْلٌ فِيْ أَنَّا لَا نَطْلُبُ الصُّلْحَ    
قَالَ اللهُ تَعَالَى: { فَلَا تَهِنُوْا وَتَدْعُوْا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ }(1)[ مُحَمَّدٌ: 35 ].
     
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ : " السِّلْمُ الْجَائِزُ عَلَى ضَرْبَيْنِ :
    
الضَّرْبُ الْأًوَّلُ : هُدْنَةٌ ( وَتُسَمَّى : صُلْحٌ وَمُوَادَعَةٌ وَمُعَاهَدَةٌ وَمُسَالَمَةٌ ) ، وَهِيَ مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ، كَصُلْحِ الْحُدَيْبِيَّةِ.
           
وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُوْنَ بِطَلَبٍ مِنَ الْأَعْدَاءِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ الِاسْتِجَابَةُ لَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَزِيْدَ أَجَلُهَا عَنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُوْنَ بِطَلَبٍ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ فَظَاهِرُ الْآَيَةِ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ ، لَكِنْ تَقَرَّرَ بَعْدَ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّصُوْصِ الْوَارِدَةِ : جَوَازُ طَلَبِ الصُّلْحِ عِنْدَ ظُهُوْرِ الْمَصْلَحَةِ فِيْهِ وَتَرْجِيْحِهَا .
 
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ السِّلْمَ بِمَعْنَى مُصَالَحَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ أَبَدًا حَرَامٌ وَبَاطِلٌ ، وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ حَقٍّ شَرْعِيٍّ كَمُسَامَحَتِهِمْ بَأَرْضٍ مِنْ بِلَادِ الْمُسْلِمِيْنَ ، وَهُوَ مَا نَرَاهُ مِنْ بَعْضِ فَجَرَةِ السَّلَاطِيْنِ فِيْ مُصَالَحَةِ الْيَهُوْدِ بِنَاءً عَلَى الِاعْتِرَافِ بِكِيَانِهِمُ الْغَاصِبِ فِيْ فِلَسْطِيْنَ الْمُبَارَكَةِ ، حَتَّى أَنَّهُمْ يَسْتَبِيْحُوْنَ حُرُمَاتِ الْمُسْلِمِيْنَ حِفَاظًا عَلَى وُدِّ هَؤُلَاءِ الْمَلْعُوْنِيْنَ ! فَتَبَّتْ يَدَا مَنْ بَادَرَ إِلَى هَذَا الْظُّلْمِ الْعَظِيْمِ وَعَمِلَ بِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لِحَاشِيَةِ هَؤُلَاءِ السَّلَاطِيْنِ فِيْ مُوَافَقَتِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ ، إِْذ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوْقٍ فِيْ مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ .
  
الضَّرْبُ الثَّانِيْ : اسْتِئْمَانٌ ، وَهُوَ إِعْطَاءُ مُسْلِمٍ الْأَمَانَ لِفَرْدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَدْ طَلَبَهُ مِنْهُ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [ التَّوْبَة : 6 } . " اه
فَصْلٌ فِيْ إِجَابَتِهِمْ إِلَى صُلْحٍ َفِيْهِ حَظُّ الْإِسْلَامِ          
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ[الأنفال:61 }(1).
        
__________
(1) قَالَ الشَّيْخُ طَارِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيُّ حَفِظَهُ اللهُ :" مِنْ خِلَالِ هَذَا النَّصِّ وَالَّذِيْ تَقَدَّمَ مَعَ مَا وَرَدَ فِيْ هَذَا الْبَابِ ثَبَتَ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ حُكْمِ الصُّلْحِ وَهُوَ مَا أَرَادَهُ الشَّيْخُ فِيْ تَبْوِيْبِهِ، لَكِنَّ الْفَجَرَةَ وَقَفُوْا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيْمَةِ وَحَرَّفُوْا مَعْنَاهَا لِإِثْبَاتِ بِدْعَةِ الصُّلْحِ الَّتِيْ ذَكَرْتُهَا قَبْلُ، وَتَرْكِ الْجِهَادِ مُخَالَفَةً لِحُكْمِ اللهِ تَعَالَى وَتَضْيِيْعًا لِبِلَادِ الْمُسْلِمِيْنَ وَحُقُوْقِهِمْ "اهـ
فَصْلٌ فِيْ نَبْذِ عَهْدِهِمْ إِذَا خِيْفَ غَدْرُهُمْ     
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الْأَنْفَالُ : 58}.
    
__________
فَصْلٌ فِي الْمُبَالَغَةِ فِيْ نِكَايَةِ النَّاقِضِيْنَ        
قَالَ اللهُ تَعَالَى:{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأنفال : 57}.
    
__________
فِيْ فِعْلِ الْأَصْلَحِ مِنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَتَأْخِيْرِ الْأَسْرِ إِلَى مَا بَعْدَ الْإِثْخَانِ          
قَالَ اللهُ تَعَالَى: { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء[محمد:4}.
        
"الْعَزْمُ التَّامُّ ": تَأْخِيْرُ الْأَسْرِ إِلَى الْإِثْخَانِ.
    
وَأَمَّا " شَدُّ الْوِثَاقِ ": فَإِرْشَادٌ إِلَى الِاحْتِيَاطِ فِيْ كُلِّ مَا يَنْبَغِيْ أَنْ يُحْتَاطَ لَهُ.
      
وَأَمَّا"ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَكُلَّ بَنَانٍ ": فَإِنَّ ضَرْبَ الْأَعْنَاقِ يُبِيْدُهُمْ، وَقَطْعَ كُلِّ بَنَانٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ إِيْقَاعِ الضَّرْبِ فِيْ غَيْرِ هَذَيْنِ الْمَحَلَّيْنِ؛ فَإِنَّ التَّوْسِيْطَ عَزِيْزٌ قَلِيْلٌ، وَلَا يَتَأَتَّى ضَرْبُ الْأَوْسَاطِ كَمَا يَتَأَتَّى ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ.
        
وَأَمَّا " الثُّبُوْتُ فِي الْقِتَالِ " وَ " الْمُبَالَغَةُ فِيْ قِتَالِهِمْ بِالْأَسْبَابِ الْمَذْكُوْرَةِ ": فَفِيْهِ مُبَالَغَةٌ فِيْ زَجْرِهِمْ عَنِ الْكُفْرِ، مَعَ مَا َفِيْهِ مِنْ إِعْزَازِ الدِّيْنِ، وَنُصْرَةِ الْمُؤْمِنِيْنَ، وَشِفَاءِ صُدُوْرِهِمْ مِنَ الْكَافِرِيْنَ.
 
__________
وَأَمَّا "قَطْعُ الْأَشْجَارِ " وَ"تَخْرِيْبُ الدِّيَارِ ": فَخِزْيٌ لَّهُمْ وَإِضْعَافٌ لِقُلُوْبِهِمْ؛ فَإِنَّ الْمَصَائِبَ تُضْعِفُ الْقُلُوْبَ وَتَكْسِرُ النُّفُوْسَ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى:{ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ[الَحَشْرُ:5}.           
وَأَمَّا " الجِدُّ فِيْ طَلَبِهِمْ ": فَفِيْهِ إِيْهَامُهُمْ قُوَّةً لِلْمُسْلِمِيْنَ وَكَسْرٌ لِشَوْكَتِهِمْ.
       
وَأَمَّا " اجْتِنَابُ التَّنَازُعِ ": فَإِنَّ الرَّأْيَ إِذَا اتَّفَقَ عَلَى كَيْدِهِمْ وَقِتَالِهِمْ حَصَلَ الْغَرْضُ، وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ جَرَى الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ.
      
وَأَمَّا " الدُّعَاءُ بِالْمَعُوْنَةِ وَالنَّصْرِ وَالصَّبْرِ ": فَفِيْهِ تَفْوِيْضُ الْأَمْرِ إِلَى مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ؛ {وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ[هُوْدٌ:123}
:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[الطَّلَاقُ: 3}أَيْ:كَاَفِيْهِ.
وَأَمَّا"الدُّعَاءُ إِلَى الصُّلْحِ":فَضَيْمٌ عَلَى الْإِسْلَامِ ،وَذُلٌّ وَوَهْنٌ ، فَلَا يَجُوْزُ إِلَّا فِيْ حَالِ الِاضْطِرَارِ وَدَفْعِ أََمْرٍ لَا يُطِيْقُهُ الْمُسْلِمُوْنَ كَمَا عَزَمَ صَلَّى اللَّه ُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَالِحَ عَامَ الْخَنْدَقِ عَلَى ثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِيْنَةِ ؛ وَمَنِ ابْتُلِيَ بِكَلْبٍ عَقُوْرٍ فَشَغَلَهُ عَنْ شَرِّهِ وَأَذِيَّتِهِ بِرَغِيْفِ خُبْزٍ فَلَا ضَيْمَ عَلَيْهِ فِيْ ذَلِكَ .    
وَأَمَّا " نَبْذُ الْعَهْدِ إِلَى مَنْ خِيْفَ خِيَانَتُهُ ":فَلِلْمُسَاوَاةِ فِي الْخَوْفِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ ،كَيْلَا نَخَافَ وَيَأْمَنُوْا .
   
وَأَمَّا " التَّشْرِيْدُ بِسَبَبِ النَّقْصِ": فَمَعْنَاهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ مِنَ الْأَسْرِ وَالْحَصْرِ وَالْإِرْقَاقِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَسَبْيِ النِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ ، مَا يُخَوِّفُ غَيْرَهُمْ أَنْ يُصِيْبَهُمْ مِثْْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَيَشْرُدُوْا مِنَ الْبِلَادِ خَوْفًا مِنْ مِثْْلِ ذَلِكَ ، أَيْ : يَهْرُبُوْا مِنْها .
تَمَّتْ أَحْكَامُ الْجِهَادِ وَفَضَائِلُهُ    
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَ صَلَوَاتُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَ صَحْبِهِ وَ سَلَامُهُ كَثِيْرًا دَائِمًا
 
فَرَغَ مِنْ تَعْلِيْقِهِ الْفَقِيْرُ إِلَى رَحْمَةِ رَبِّهِ إِبْرَاهِيْمُ بْنُ عِيْسَى بْنِ يُوْسُفَ بْنِ أَبِيْ بَكْرٍ الْمُرَادِيُّ الْأَنْدُلُسِيُّ، دَاعِيًا لِمُصَنِّفِهِ وَ مَالِكِهِ، أَقَرَّاللهُ أَعْيُنَهُمَا بِالتَّوْفِيْقِ وَإِيَّايَ؛ وَ رَزَقَنَا رَاحَةَ الدُّنْيَا وَالآخِرِةِ بِمَنِّهِ وَ كَرَمِهِ، وَ ذَلِكَ فِيْ يَوْمِ الْأَحَدِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِيْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعِ الْأَوَِّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَ أَرْبَعِيْنَ وَ سِتُّمِائَةٍ. أَحْسَنَ اللهُ عَاقِبَتَهُ.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar